.....قيمة اللغة بمقدار الجهد الحضاري لأصحابها .......
صفحة 1 من اصل 1
.....قيمة اللغة بمقدار الجهد الحضاري لأصحابها .......
من المفيد أن نستعرض عددا من الكلمات والعبارات في حياتنا اليومية والأدبية والرسمية والعلمية وغير ذلك ونرى كم تعكس لغتنا التي نستعملها فعليا الحياة القديمة وكم دخل فيها مما يعكس الحياة الجديدة التي تستمد مادتها الفكرية من تأثير الحياة الغربية، كلمات وعبارات لا نكاد ننتبه إليها لدرجة شيوعها، منها ما استخدم بعد تعريبه، من أمثال: قراءة ما بين السطور، نظام المرور، مساعد الرئيس للشؤون الفنية، يلعب دورا رئيسا في تسيير المؤسسة، ومئات العبارات المماثلة، ومنها ما استخدم في شكله الأجنبي، من أمثال: سينما، وسندويتش، وصالون، وكافتيريا، وبيك آب، وفيديو، وستوديو، وهمبرجر، وشامبو، وجراج، وهناك كلمات معربة نجحت في إزاحة الكلمة الأجنبية، من أمثال: سيارة وطائرة، ومطار، وكلمات لاتزال تصارع لتحل محل الكلمة الأجنبية من أمثال: هاتف مقابل التلفون، وحاسوب مقابل الكمبيوتر، ومكيف مقابل الكنديشن، هذا مع العلم أن العديد من الكلمات لها شكلان، واحد رسمي عربي والآخر أجنبي شعبي، ولو استخدمت الكلمة العربية في الحديث مع الناس لأزعجتهم وأشعرتهم أنك متصنع، مثال ذلك التلفون والتلفزيون والراديو والكمبيوتر والفرامل والدركسيون، وهناك كلمات نجحت في بلدان عربية ولم تنجح في غيرها.
إن كل جهاز نستورده ي دخل إلى بيوتنا أو دوائرنا أو مدارسنا عددا من الكلمات والعبارات، فلكل جهاز لغته المرافقة، ويكفي أن يتذكر أي مستخدم للكمبيوتر كم أدخل هذا الجهاز في حياته من كلمات وعبارات، وإذا كانت الكلمات المذكورة أعلاه تعبر عن معان ملموسة فإن هناك كلمات وعبارات تعبر عن مواقف نفسية وعقلية مثل: شعور بالإحباط، يتصف بالمبادرة، الروح المعنوية، الدافع أو الدافعية، الأنانية، ترشيد الإنفاق، تطبيع العلاقات، الفن التجريدي، النسبية، إن العدد قد لا يتوقف عند المئات بل قد يبلغ الألوف، وإذا كانت الكلمات والعبارات هي أبجدية التفكير فإن تزايد الكلمات والعبارات يضاعف قدرتنا على التفكير، أو هذا هو المفروض في حالة النمو الاجتماعي الصحيح.
الأزمة ليست حتمية :
ولكني أحب أن أسارع إلى القول إنه من المفروض ألا يكون هناك أزمة في الحقيقة حينما تتوسع المعاني في جوانب وتتضاءل في جوانب، فالله الذي أنزل الكتاب علم أن البشر سوف يتوسعون كثيرا في علمهم وأن المعاني والكلمات ستبقى في توسع دائم دون أن يضر هذا بتفاعل المسلم مع الكتاب، بل المفروض أن تحسنه، لأن توسع المعاني معناه زيادة أبجدية العقل الإدراكية واللغوية، والمفروض أن يزيد هذا من إمكانات العقل على فهم الكتاب والسنة، فالإنسانية أضافت مثلا كثيرا من وسائل النقل والانتقال وحذفت الخيل والجمال والحمير والبغال، لاشك أن هذا أنقص كثيرا ثقافة الفرد العادي فيما يتصل بحياة وصفات وعادات هذه الحيوانات، وصارت على هامش الحياة بعد أن كانت في صميمها، ففقد الإنسان العادي كثيرا من الكلمات والعبارات المتصلة بالتنقل والحمل على ظهور هذه الحيوانات، وحتى ما بقي لدينا من معان ومفردات تتصل بهذه الحيوانات صار على هامش حياتنا لا في صميمها، إن للغة هيكلا أساسيا هو أقرب إلى الثبات، بينما هناك استطالات طويلة أو قصيرة، وهي استطالات تتصف في كثير من الأحيان بسرعة النمو وسرعة الزيادات والحذف.
ماذا عن لغة القرآن والسنة؟
ومن المهم أن نلاحظ أن أغلب كلمات القرآن الكريم هي من النوع الذي يبقى حيا على مدى العصور، ويكفي أن تجرب أن تفتح القرآن الكريم عشر مرات لا على التعيين وتنظر في كل من الصفحات العشر إلى السطر الأول مثلا والسطر الأوسط والسطر الأخير لترى صواب ما أقول، إن الكلمات القرآنية هي من النوع الذي بقي قيد الاستخدام على مدى العصور.
غير أن هناك عددا من الكلمات والعبارات في القرآن الكريم، قد تبلغ العشرات، تغير مفهومنا عنها بتغير الزمان، فالأرض والسماء والنجوم بل والعصر والقمر التي نعرفها هي غير التي كانت في عهد نزول القرآن، ونحن نرى كيف صار معنى ،والله جعل لكم الأرض بساطا مختلفا بالتأكيد عما كان مفهوما قبل وضوح كروية الأرض في العصر الحديث.
ولو نقلنا تجربتنا إلى كلمات الحديث الشريف لوجدناها تختلف شيئا ما، صحيح أن الأعم منها قد بقي جزءا من الاستخدام العادي، ولكن منها جزءا أكثر مما هو في القرآن قد خرج من الاستخدام.
ولكن عموم الكلام لايزال مستعملا ، كما أن بعض الكلمات ألصق بالحياة المحلية من كلمات القرآن الكريم، مثل: نصال السهم، والبيضة التي تلبس على الرأس، وحر الرمضاء، والعوالي (وهي منطقة في المدينة)، وهناك منطقة أخرى هي المخمص، وهناك النجاشي، وهناك تشبيه لا نعرفه في حياتنا الواقعية، التشبيه بقضم الفحل، وهو من أسماء الجمل، وهناك أمر آخر وهو تحذير الناس من أن يؤذوا الآخرين بنصل السهم، وهذا واقع قد اختفى، وإن كان الحذر من أذى الناس بأي شكل لايزال واردا على الدوام، وهناك شكوى الصحابة من السجود على الرمل الحار، وهذه الشكوى لا تنطبق اليوم إلا نادرا .
يمكن أن نلاحظ أنه برغم فقداننا لبعض المعاني فإن اللغة بقيت هي هي في أصلها، وبقيت في متناولنا، بحيث إننا نمر على نصوص كثيرة فنفهمها بلا جهد كبير، فلماذا إذن هذا الفرق الكبير بين أثر القرآن في حياة الصحابة وأثره في حياتنا؟
كم يتوازى تغير العقول مع تغير اللغة؟
خلاصة :
فإذا عدنا الآن إلى أصل الموضوع نسأل هل اللغة نتيجة أم سبب؟ هل نحتل مكاننا الصحيح في العالم فتأخذ لغتنا مكانها الصحيح أم العكس؟ كيف تصبح علاقتنا مع الكتاب والسنة علاقة فعالة؟ فإن نظرتي في هذا أن الحل هو حل حضاري، وهو انتقال دور الأمة من الانفعال إلى الفعل، من تلقي الأحداث إلى المساهمة في صنع العالم بما يرجع الأمة إلى مكانها الصحيح في العالم، فيوم كانت الأمة المسلمة عزيزة كانت لغتها عزيزة، وأما بعد أن أزيح المسلم عن مكانه المتقدم في العالم فإنه صار يستخدم لغة غيره لحاجة وغير حاجة، صحيح أن علينا أن نحرص باعتدال على توسيع اللغة بما يتناسب مع توسع المعاني السريع ولكن الأمة التي لديها ما تأخذ وتعطي لا تشعر بالحرج من نقل مصطلح كما هو، إنما من المهم أن نتذكر دائما أن قيمة لغتنا هو بمقدار جهدنا الحضاري في العالم المعاصر، الجهد الحضاري الذي يظهر في كل مجال، في المعامل والغابات وتحت البحار وداخل الخلية وفي دراسة العقل البشري والمجتمعات البدائية والمجتمعات النامية والمتقدمة، وحين يعود إنساننا ليقف على قدميه من الناحية الحضارية فسوف يعود تفاعلنا مع لغة القرآن والسنة إن شاء الله.
..........تحياتي ارجوا ان يعجبكم.......
إن كل جهاز نستورده ي دخل إلى بيوتنا أو دوائرنا أو مدارسنا عددا من الكلمات والعبارات، فلكل جهاز لغته المرافقة، ويكفي أن يتذكر أي مستخدم للكمبيوتر كم أدخل هذا الجهاز في حياته من كلمات وعبارات، وإذا كانت الكلمات المذكورة أعلاه تعبر عن معان ملموسة فإن هناك كلمات وعبارات تعبر عن مواقف نفسية وعقلية مثل: شعور بالإحباط، يتصف بالمبادرة، الروح المعنوية، الدافع أو الدافعية، الأنانية، ترشيد الإنفاق، تطبيع العلاقات، الفن التجريدي، النسبية، إن العدد قد لا يتوقف عند المئات بل قد يبلغ الألوف، وإذا كانت الكلمات والعبارات هي أبجدية التفكير فإن تزايد الكلمات والعبارات يضاعف قدرتنا على التفكير، أو هذا هو المفروض في حالة النمو الاجتماعي الصحيح.
الأزمة ليست حتمية :
ولكني أحب أن أسارع إلى القول إنه من المفروض ألا يكون هناك أزمة في الحقيقة حينما تتوسع المعاني في جوانب وتتضاءل في جوانب، فالله الذي أنزل الكتاب علم أن البشر سوف يتوسعون كثيرا في علمهم وأن المعاني والكلمات ستبقى في توسع دائم دون أن يضر هذا بتفاعل المسلم مع الكتاب، بل المفروض أن تحسنه، لأن توسع المعاني معناه زيادة أبجدية العقل الإدراكية واللغوية، والمفروض أن يزيد هذا من إمكانات العقل على فهم الكتاب والسنة، فالإنسانية أضافت مثلا كثيرا من وسائل النقل والانتقال وحذفت الخيل والجمال والحمير والبغال، لاشك أن هذا أنقص كثيرا ثقافة الفرد العادي فيما يتصل بحياة وصفات وعادات هذه الحيوانات، وصارت على هامش الحياة بعد أن كانت في صميمها، ففقد الإنسان العادي كثيرا من الكلمات والعبارات المتصلة بالتنقل والحمل على ظهور هذه الحيوانات، وحتى ما بقي لدينا من معان ومفردات تتصل بهذه الحيوانات صار على هامش حياتنا لا في صميمها، إن للغة هيكلا أساسيا هو أقرب إلى الثبات، بينما هناك استطالات طويلة أو قصيرة، وهي استطالات تتصف في كثير من الأحيان بسرعة النمو وسرعة الزيادات والحذف.
ماذا عن لغة القرآن والسنة؟
ومن المهم أن نلاحظ أن أغلب كلمات القرآن الكريم هي من النوع الذي يبقى حيا على مدى العصور، ويكفي أن تجرب أن تفتح القرآن الكريم عشر مرات لا على التعيين وتنظر في كل من الصفحات العشر إلى السطر الأول مثلا والسطر الأوسط والسطر الأخير لترى صواب ما أقول، إن الكلمات القرآنية هي من النوع الذي بقي قيد الاستخدام على مدى العصور.
غير أن هناك عددا من الكلمات والعبارات في القرآن الكريم، قد تبلغ العشرات، تغير مفهومنا عنها بتغير الزمان، فالأرض والسماء والنجوم بل والعصر والقمر التي نعرفها هي غير التي كانت في عهد نزول القرآن، ونحن نرى كيف صار معنى ،والله جعل لكم الأرض بساطا مختلفا بالتأكيد عما كان مفهوما قبل وضوح كروية الأرض في العصر الحديث.
ولو نقلنا تجربتنا إلى كلمات الحديث الشريف لوجدناها تختلف شيئا ما، صحيح أن الأعم منها قد بقي جزءا من الاستخدام العادي، ولكن منها جزءا أكثر مما هو في القرآن قد خرج من الاستخدام.
ولكن عموم الكلام لايزال مستعملا ، كما أن بعض الكلمات ألصق بالحياة المحلية من كلمات القرآن الكريم، مثل: نصال السهم، والبيضة التي تلبس على الرأس، وحر الرمضاء، والعوالي (وهي منطقة في المدينة)، وهناك منطقة أخرى هي المخمص، وهناك النجاشي، وهناك تشبيه لا نعرفه في حياتنا الواقعية، التشبيه بقضم الفحل، وهو من أسماء الجمل، وهناك أمر آخر وهو تحذير الناس من أن يؤذوا الآخرين بنصل السهم، وهذا واقع قد اختفى، وإن كان الحذر من أذى الناس بأي شكل لايزال واردا على الدوام، وهناك شكوى الصحابة من السجود على الرمل الحار، وهذه الشكوى لا تنطبق اليوم إلا نادرا .
يمكن أن نلاحظ أنه برغم فقداننا لبعض المعاني فإن اللغة بقيت هي هي في أصلها، وبقيت في متناولنا، بحيث إننا نمر على نصوص كثيرة فنفهمها بلا جهد كبير، فلماذا إذن هذا الفرق الكبير بين أثر القرآن في حياة الصحابة وأثره في حياتنا؟
كم يتوازى تغير العقول مع تغير اللغة؟
خلاصة :
فإذا عدنا الآن إلى أصل الموضوع نسأل هل اللغة نتيجة أم سبب؟ هل نحتل مكاننا الصحيح في العالم فتأخذ لغتنا مكانها الصحيح أم العكس؟ كيف تصبح علاقتنا مع الكتاب والسنة علاقة فعالة؟ فإن نظرتي في هذا أن الحل هو حل حضاري، وهو انتقال دور الأمة من الانفعال إلى الفعل، من تلقي الأحداث إلى المساهمة في صنع العالم بما يرجع الأمة إلى مكانها الصحيح في العالم، فيوم كانت الأمة المسلمة عزيزة كانت لغتها عزيزة، وأما بعد أن أزيح المسلم عن مكانه المتقدم في العالم فإنه صار يستخدم لغة غيره لحاجة وغير حاجة، صحيح أن علينا أن نحرص باعتدال على توسيع اللغة بما يتناسب مع توسع المعاني السريع ولكن الأمة التي لديها ما تأخذ وتعطي لا تشعر بالحرج من نقل مصطلح كما هو، إنما من المهم أن نتذكر دائما أن قيمة لغتنا هو بمقدار جهدنا الحضاري في العالم المعاصر، الجهد الحضاري الذي يظهر في كل مجال، في المعامل والغابات وتحت البحار وداخل الخلية وفي دراسة العقل البشري والمجتمعات البدائية والمجتمعات النامية والمتقدمة، وحين يعود إنساننا ليقف على قدميه من الناحية الحضارية فسوف يعود تفاعلنا مع لغة القرآن والسنة إن شاء الله.
..........تحياتي ارجوا ان يعجبكم.......
basem1989- عدد المساهمات : 10
نقاط : 30
تاريخ التسجيل : 04/09/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى